معضلة التحول من بنوك تقليدية إلى بنوك
إسلامية: المبررات والكيفية (1-2)
برز الحديث عن البنوك الإسلامية مع ظهور
نتائج الإنتخابات التي جرت بعد الاحتجاجات التي مرت بها بعض الدول العربية مثل مصر
وتونس وليبيا, وظهر الكثيرمن الأصوات التي تطالب بنشر التمويل الاسلامي والعمل وفق
مبادئ الشريعه الإسلامية وضرورة الترخيص للبنوك الإسلامية للعمل في هذه الدول, وحتى
في المملكة المغربية التي لم يحدث فيها إنتفاضات كبيرة, فقد أدى فوز حزب العدالة
والتنمية للانتخابات وشروع قيادته في تشكيل الحكومة إلى عودة الحديث بقوة عن
إمكانية إنشاء بنوك إسلامية في المغرب وظهر إصرار عدد من الجهات على ضرورة أن يفسح
المجال أمام التمويل الإسلامي، وتقديمها لمبررات قوية منها ضعف نسبة الاستبناك،
والرغبة في توفير منتوجات لفئات عريضة من المواطنين ممن لا تغريهم المنتوجات
التقليدية الربوية، وأقدم بنك المغرب في خطوة جرئية، على الترخيص لتسويق منتوجات إسلامية
بديلة، استجابة لضغط البرلمانيين، وأيضا تحت إلحاح المستثمرين، خاصة من دول الخليج
وشرق آسيا.
وبشكل عام هناك عدة عوامل وراء إتساع الطلب على
تأسيس بنوك إسلامية أو تحول البنوك التقليدية إلى إسلامية, منها ما يلي:-
أولا التحول في المزاج العام وظهور حاجة جديدة
عبرت عنها شرائح عريضة من المستهلكين الرافضين لأي نوع من التعامل بالمنتوجات التقليدية
المخالفة للضوابط الشرعية،
ثانيا التزايد المضطرد في حاجة البنوك في
المنطقة -كمثيلاتها في العالم- إلى زيادة رؤوس أموالها ورفع قدراتها على الإقراض
لمواجة زيادة الأنشطة من جهة وتحقيق نوع من الربحية ومواكبة قواعد ضبط المخاطرة من
جهة أخرى, هذه الزيادة اجبرت البنوك للإنصياع خلف توجهات وشروط أصحاب رؤوس
الأموال,
ثالثا: أن الزيادة الهائلة في السيولة المتوفرة
حالياً تتركز في بيوت التمويل والمصارف والصناديق السيادية التي تملكها دول الخليج
العربي بشكل خاص وهي مؤسسات تركز على الإستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية
وتتجنب الإستثمار في الصيرفة التقليدية تجنباً للشبهات الشرعية وبالتالي فإن
البنوك التقليدية قد تخسر فرصاً للتعاون وجذب هذه الأموال إليها..
رابعاً أثبتت المنتجات والخدمات المالية
الإسلامية نجاحاً ومقاومةً كبيرة للأزمة المالية عام 2008، بل أنها في ذات الوقت توسعت
وتطورت حتى في عقر دار النظام الاقتصادي التقليدي (بريطانيا تمثل حالياً مركزاً
للبنوك الإسلامية في العالم)، تداعيات الأزمة أظهرت أن بعض الدول لم تتأثر بها،
إما لأن اسواقها المالية تتعامل بكثير من الحذر والتحفظ، وإما لأنها بلدان يوجد بها
نوع آخر من النظام المالي، يسمى بالمالية الإسلامية. وهذه المالية حاضرة بشكل كبير
في دول الخليج العربي وماليزيا. وهناك
دراسة لوكالة التصنيف Standard and Poor’sأشارت إلى أن المالية الإسلامية ستعرف تطورا كبيرا بعد صمودها أمام
الأزمة المالية العالمية، وحسب هذه الدراسة فإن عددا من المؤسسات المالية
الإسلامية ظلت محمية من الأزمة المالية العالمية، وهذا راجع إلى أن مبادئ الشريعة
تحرم الفائدة، وأن هذه المبادئ هي التي منعتها من الاستثمار في منتوجات مالية
معقدة عملت كقناة لنقل الأزمة
وبعيداً عن هذه العوامل نجد أن الكثيرين من الإقتصاديين والماليين يجهلوا
ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻋﻤﻝ ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺭوﻕ الجوهرية ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻭﺒﻴﻥ ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ, هذه الفروق
ليست بالطبع في الأسم ولكنها في جوهر العمل وفلسفته ورقابته الشرعية, فمن ناحية
نجد أن ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ تعمل بشكل منهجي كوسيط ﻤﺎﻟﻲ، ﻴﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﻭﺩﺍﺌﻊ ﺒﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﻘﺭﺽ
ﺒﻔﺎﺌﺩﺓ، وتمول ﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺭﻴﻥ ﺒﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﻘﺭﺽ ﺒﻔﺎﺌﺩﺓ، ﻭﻴﺄﺨﺫ ﺍﻟﻔﺭﻕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻔﻭﺍﺌﺩ
ﺍﻟﺩﺍﺌﻨﺔ ﻭﺍﻟﻔﻭﺍﺌﺩ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ، ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻭﺍﺌﺩ ﺍﻟﺨﺩﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺭﻓﻴﺔ. ﺃﻤﺎ ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ
ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻓﺘﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﻭﺩﺍﺌﻊ ﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭﻫﺎ ﻨﻴﺎﺒﺔ ﻋﻥ ﺃﺼﺤﺎﺒﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺘﻬﻡ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻭﺩﻋﻴﻥ
ﻏﺭﻡ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭ، ﻭﻟﻬﻡ ﻏﻨﻤﻪ ﺇﻻ ﻤﺎ أشترطوا ذلك ﻟﻠﺒﻨﻙ ﺒﺼﻔﺘﻪ ﻤﻀﺎﺭﺒﺎﹰ، ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ
ﺘﺴﺘﺜﻤﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻭﺩﺍﺌﻊ، ﻭﺤﺩﻫﺎ. ﺃﻭ ﻤﻊ ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻥ، ﺍﺴﺘﺜﻤﺎﺭﺍﹰ ﻤﺒﺎﺸﺭﺍﹰ، ﺒﺼﻴﻎ
ﺍﺴﺘﺜﻤﺎﺭ ﻭﻋﻘﻭﺩ ﺘﻤﻭﻴﻝ ﺸﺭﻋﻴﺔ، ﻭﺘﺘﺤﻤﻝ ﻨﻴﺎﺒﺔ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻭﺩﻋﻴﻥ ﻤﺨﺎﻁﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭ، ﻭﺘﻭﺯﻉ
ﻋﻠﻴﻬﻡ ﻋﻭﺍﺌﺩﻩ ﺒﻌﺩ ﺨﺼﻡ ﺤﺼﺔ ﺍﻟﺒﻨﻙ ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺒﺢ.
وفي حين ﻴﻠﺘﺯﻡ ﺍﻟﺒﻨﻙ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﻓﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﺼﻴﻎ ﺍﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭ ﻭﻋﻘﻭﺩ ﺍﻟﺘﻤﻭﻴﻝ ﻭﺍﻟﺨﺩﻤﺎﺕ
ﺍﻟﻤﺼﺭﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻘﺩﻤﻬﺎ ﺒﺄﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺭﻴﻌﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ؛ ﻓﻴﻤﻨﻊ ﺍﻟﺭﺒﺎ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﺭﺭ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﻘﻭﺩ، ﻭﻴﺭﻓﺽ ﺍﻟﺼﺭﻑ ﺍﻵﺠﻝ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﻘﺎﺕ، ﻭﻴﻨﻬﻰ ﻋﻥ ﺒﻴﻊ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ
ﻤﺎ ﻟﻴﺱ ﻋﻨﺩﻩ، ﻭﻋﻥ ﺭﺒﺢ ﻤﺎ ﻟﻡ ﻴﻀﻤﻥ, ويقوم بكل هذه العمليات تحت إشراف مباشر من هيئة
شرعية متفرغة لكل بنك. فإن ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ ﻼ ﺘﻠﺘﺯﻡ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻷﺤﻜﺎﻡ، ﻭﺇﻥ ﺠﺎﺀﺕ ﻜﺜﻴﺭ
ﻤﻥ ﻤﻌﺎﻤﻼﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻭﻙ ﻤﻭﺍﻓﻘﺔ ﻟﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻗﺼﺩ. ويمكن القول أن البنوك التقليدية والإسلامية تتفق في حدود 80% في طبيعة العمل، إلا أن الـ 20%
تتطلب خصوصية في الرقابة والقوانين، وهذا النظام معمول به في دول مثل مملكة البحرين
وماليزيا، حيث نظام الفصل في الرقابة واضح. وثمة اختلاف آخر
يتمثل في الإجراءات المتبعة، ففي حالة البنوك الإسلامية تختلف إجراءات توقيع القرض
البسيط عن إجراءات المشاركة أو المضاربة، لما تعنيه من مخاطر تستدعي الدقة والدراسة
والوقوف على الجدية لدى صاحب العمل، لكن البنك التقليدي كل ما يحتاجه هو الضمان فقط،
وأستطيع أن
اؤكد -من خبرتي في العمل في عدد من البنوك الخليجية على سبيل المثال- أن بعض
البنوك قد لا تتقابل في أي مرحلة من المراحل مع مقدم الطلب, كون العملية تعتمد على
الضمان والكفالة والأسم العائلي للعميل وبالتالي فهناك غياب كامل للعلاقة الشخصية
بين البنك والعميل.
وإذا كان مصطلح البنوك الإسلامية قد ظهر في
سبعينيات القرن الماضي في مصر مع ظهور بنك ناصر الاجتماعي كأول مصرف يتخلى عن
التعامل بالفائدة، وتبعه بأربع سنوات تأسيس بنك دبي الإسلامي في الإمارات، وتوالت
بعد ذلك المصارف الإسلامية إلى ما يقارب اليوم من الثلاثمائة مؤسسة مالية إسلامية،
بأصول تقترب من 1.2 ترليون دولار، ومعدل نمو لا يقل عن 15% سنويا, وهناك العديد من
الدول التي أوفقت التصريح للبنوك التقليدية على اراضيها وحصرت كل الرخص الجديدة
للبنوك الإسلامية منها ماليزيا ومملكة البحرين.
ولا شك أن ما يمر به العالم العربي والإسلامي
من صحوة دينية وإهتمام بشرعية المعاملات البنكية يوضح أن البنوك التقليدية تتعرض
للكثير من الضغوطات ولم يعد أماها خيار سوى التوافق مع هذا التغيير, وهناك بديلين
لا ثالث لهم أمام هذه البنوك التقليدية, فأما توفير نوافذ أو أفرع للخدمات
والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أو التحول بالكامل إلى بنوك إسلامية
تعمل بكامل برامجها وأنظمتها بالتوافق مع الشريعة الإسلامية.
والمعضلة الحقيقة أن الانتقال من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية
يحتاج إلى خبرات متخصصة، فهناك ثمة عدد محدود جداً من التجارب وكل واحدة لها
محددات ومحاذير مختلفة, فمثلاً أثبت تجربة باكستان خلال أعوام الثمانينيات ضرورة التدرج
في التحول، فقد أصدر الرئيس ضياء الحق آنذاك قراراً يقضي بأسلمة النظام الاقتصادي بكلياته
في فترة محدودة، فكانت النتيجة العجز عن التطبيق الصحيح، الأمر الذي عاد بالنظام الاقتصادي
الباكستاني إلى فكرة التدرج، إذ إن ذلك من شأنه أولاً، أن يوفر فرصة كافية للتعلم والكشف
عن الأخطاء ومعالجتها على وجه الدقة، وثانياً تفادي الأضرار الكثيرة التي يسببها الانتقال
المفاجىء. فعملية التحول ليست سهلة ولا يوجد الكثير من الخبرات لا العربية ولا
الدولية في هذا المجال, وقد سعدت شخصيا وبتوفيق من الله في المساهمة في تحويل مصرفين
من بنوك تقليدية إلى بنوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية وهذه التجربة هي التي سوف اعرضها في المقال القادم.
المنامة فبراير 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق