الخميس، 12 يونيو 2014

دور المنشأت المتناهية الصغر في توفير وظائف جديدة لسوق العمل
















دور المنشأت المتناهية الصغر في توفير وظائف جديدة لسوق العمل

منتدى جدة للموارد البشرية 2013
"ما بعد التصحيح"
24-28 نوفبمر 2013



د/ عاطف الشبراوي[1]
الرئيس التنفيذي –بنك الأسرة- مملكة البحرين



المحتويات




المقدمة


شهد القرن العشرين حقيقة دامغة وهي أن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر أصبحت أحد أهم وسائل التطور الإقتصادي والإجتماعي في مختلف بقاع العالم, وأصبحت ليست فقط سبيل الملايين في البحث عن وسائل التوظيف الذاتي وخلق فرص العمل لهم ولذويهم ولكنها أصبحت القناة الأكثر حيوية للتطوير التكنولوجي ونشر الإبداع والإبتكار وأحد أهم قنوات الإستثمار الإقتصادي في مختلف الإقتصاديات المتقدمة والنامية.
كذلك شهدت نهاية الألفية الثانية تحولات إقتصادية وتكنولوجية غير مسبوقة كتبعات لإطلاق وإنتشار مفاهيم وممارسات العولمة الاقتصادية والتي أنتجت تغيراً كبيراً في خصائص سوق العمل في مختلف دول العالم, حيث تباينت فرص خلق الوظائف وأختلفت مجالاتها وقطاعاتها, فمثلاً زادت بوتيرة ضخمة وظائف الخدمات في العالم المتقدم, وتشير إحصائيات عام 2012 أن 70.1%  من الوظائف في دول الاتحاد الاوربي عبارة عن وظائف خدمات, بينما توارت وظائف التصنيع والقطاعات الزراعية إلى حد ما, وإذا كنا نتفق على أن معظم إقتصاديات العالم تعتمد إعتماداً رئيسياً على المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فإن هذه المشروعات تعتبر المسئول الأول عن التنوع الإقتصادي ونمو القطاعات التي تخلق فيها الوظائف.
من ناحية أخرى فإن بروز عدة عوامل متداخلة فيما بينها منها التغير في نموذج الاقتصاد العالمي الذي بات يعتمد على القيمة المضافة والتقنيات المتطورة, وإهمال تطوير وتنمية القطاع الزراعي الذي أفقده قدرته على خلق الوظائف, بجانب الزيادة الكبيرة في معدلات الإنخراط في التعليم الجامعي وإهمال التعليم الفني وضعف الإهتمام بالمهارات وتدني مخرجات التعليم في عدد كبير من دول العالم خاصة النامي, هذه العوامل قد أنتجت الزيادة الكبيرة في معدلات البطالة في مختلف دول العالم. وأصبحت مشكلة البطالة أحد أهم القضايا الجوهرية والإستراتيجية التي تهدد الامن القومي للعديد من دول العالم, فقد وصلت البطالة في العالم العربي مثلاً لنحو 10% من المجموع العالمي بعدد 20 مليون باحث عن عمل٬ ووصل متوسطها في دول الاتحاد الاوربي إلى 12% تبعاً لإحصائيات يوليو 2013 وتخطت في بعض الدول الأوروبية نسبه 26%, بينما وصل متوسط بطالة الشباب إلى 22.7% ووصلت في بعض الدول الى 50%, وذلك رغم المئات من المبادرات.
وأخيراً أثبت دراسة معمقة أن السوق الاوربي المشترك يمثل أحد وسائل دعم التوظيف ويستخدم مجالً خصباً لحل هذه المشكلة حيث تمثل حرية الانتقال للافراد والبضائع وحرية تاسيس شركات بين كافة الدول الاوربية أحد أهم دعائم التنمية الإقتصادية و85% من الوظائف الجديدة في الاتحاد الاوربي تخلق من الشركات الصغيرة والمتوسطة. والاتحاد الاوربي يعمل به 20.9 مليون شركة صغيرة ومتوسطة [2].
وتحاول الورقة الحالية طرح قضية الإهتمام بالمشروعات متناهية الصغر كأحد الحلول الناجعه في مواجهة مشكلة البطالة وخاصة بين النساء والشباب, وتحاول التركيز على دور الحلول الابداعية والمبادرات المختلفة في خلق بيئة صحيحة ومواتية تشجع الشباب وخاصة العاطلين عن العمل في تأسيس والبدء في نشاط انتاجي او تجاري يطور من مستواهم المعيشي ويسمح لهم بالولوج في عالم العمل الخاص وريادة الأعمال.


أهم التحولات الرئيسية في العالم الذي نعيش فيه


لقد تغير الإقتصاد العالمي وتباينت معدلات النمو والأداء الإقتصادي بمختلف دول العالم وظهرت طفرات إقتصادية في بعض المناطق وركود وآفول في مناطق أخرى, وأصبح العالم يعيش في مواجهه تحديات مختلفة بعضها جديد والأخر مزمن ولم تستطع مختلف الحلول في مواجهته والقضاء عليه, من هذه التحديات والتغيرات المتلاحقة في الإقتصاد العالمي نلخص التالي:-
1-    عولمة البطالة: وجهه كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة نداء في كلمتة الأخيرة الموجهه لقادة العالم يذكرهم بمشكلة البطالة والعاطلين عن العمل بقوله " ان التحدي الاكبر أمامكم هو في مساعدتهم على المشاركة في القرن الحادي والعشرين" هذه الرسالة القوية عكست تفاقم المشكلة حتي وصولها وسيطرتها علي النقاش في القمم السياسية, والتي لم تعد تناقش مشاكل ذات طابع سياسي بحت بل أصبحت تمثل لقاءات اقتصادية في المقام الاول. فقد ابرزت احصائيات منظمه العمل الدولية الخاصة بالبطالة مدي تزايد وانتشار معدلات البطالة في مختلف دول العلم, فنجد ان دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا سجلت اعلى معدلات بطالة خلال العقد الحالي، اذ بلغت 18%، وتلتها افريقيا جنوب الصحراء بنسبة 4،14 % وفي دول شرق اوروبا 13.5% بينما قدرمعدل البطالة ب 9.6 % في الدول الصناعية وذلك مرورا بمعدلات كبيرة لدول كبيرة مثل فرنسا (%12) والمانيا (8%) واسبانيا (14%). وتخطت في بض الدول الأوروبية نسبه 26%, بينما وصل متوسط بطالة الشباب إلى 22.7% ووصلت في بعض الدول الى 50%, وصارت مشكلة زيادة معدلات البطالة مشكلة كونية يعاني منها كافة بلدان العالم بشكل أو بأخر.
2-    إنهيار نموذج التوظيف التقليدي: لقد أنتج التطور التكنولوجية والعلمي وزيادة تعقيد العمليات الإنتاجية والخدمية الحاجة إلى قدرات ومهارات جديدة, ولم تعد فرص العمل ترتبط ارتباطا وثيقا بالشهادات الأكاديمية وعلاقتها للباحثين عن العمل وفرص العمل المتوفرة والمتاحة "لتسكينهم" في الوظائف الحكومية كما كان الحال في الماضي والتي توقفت معظمها عن التوظيف, وأصبح سوق العمل يركز على المهارات والكفاءات وقدرات العامل الفنية والثقافية, وزادات المنافسة الشديدة التي انتهجتها العولمة في مجالات الاقتصاد الحر المبنى على تنافسية وقدرات المؤسسة وموظفيها والذي يسمح في ذات الوقت بحرية حركة رؤوس الاموال و"إستيراد" العمالة المدربة ذات الكفاءة المرتفعه والجاهزة للإنتاج, وأصبحت عملية التوظيف عملية معقدة تستلزم الحاجة لوضع برامج تأهيل ورفع كفاءة ومسايرة المسار التوظيفي للعامل.
3-    تزايد أعداد الوافدين لسوق العمل: لقد شهد العقدين الاخيرين من القرن العشرين توافد اعداد جديدة من العاطلين عن العمل من المؤهلين المتخصصين في تخصصات تمثل عصب النشاط الاقتصادي من مهندسين ومحاسبين واطباء وغيرهم, بل ووصل الامر في العقد الاول من القرن الواحد والعشرون الي توافد اعداد ضخمة من الفنيين والمحترفين علي شكل دفعات متتاليه نتيجة مباشرة لعمليات التحول الاقتصادي وفتح الاسواق مع اختلاف وتعدد سيناريوهات وملابسات هذه الاثار, البعض نتيجة لما يطلق عليه "سياسية اعادة هيكيلة القطاع العام والخصخصة" والتي تم انتهاجها في ما لا يقل عن 44 دولة تحولت فيها معظم الشركات العامة الي شركات خاصة, والتي ادت الي "التخلص" من عددا من العاملين في هذه الشركات. والبعض الآخر يأتي نتيجة لما يطلق علية "سياسة تركيز الانشطة (down seizing) التي انتهجتها الشركات الكبري للوصول الي اكبر ربحية وتنافسية ممكنه. الخلاصة ان سوق العمل في مختلف دول العالم قد تعرض لتغيرات راديكاليه ليس فقط في حجم وطبيعه المعروض من فرص العمل بل وفي طبيعه المهارات والتخصصات المطلوبة والتي ما لبثت ان تغيرت عدة مرات خلال الثلاثة عقود الاخيرة, مما انتج وضع شديد التعقيد والتداخل بين المسبب والنتيجة في اشكاليه البطالة.
4-    إعتماد الإقتصاد العالمي على المشروعات الصغيرة والمتوسطة: تشهد إقتصاديات دول العالم هناك تحولاً جوهرياً يتعاظم فيه دور هذه المشروعات، والتي تمثل العمود الفقري بالنسبة للقطاع الخاص، وتُشَكِّلُ ما يزيد على نسبة 90% من مجموع المشروعات في العالم، وتُسهم بنسبة حوالي 60% من الوظائف. وتسهم المشروعات العاملة منها في قطاع الصناعات التحويلية بنسبة كبيرة من الوظائف في هذا القطاع، وتظهر إحصائيات عام 2006 في الولايات المتحدة الامريكية أن 99.9% أن ال 27 مليون شركة خاصة في المجال غير الزراعي هي شركات صغيرة, بينما نجد أن نسبة مساهمة هذه الشركات في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) إجمالي القيمة المضافة في الصين تصل إلى 60%، وفي ألمانيا تصل إلى 57%. وهذا يعكس أن المشروعات الصغيرة خطت خطوات جبارة في مجالات التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والصناعية,  
5-    زيادة معدلات تأسيس المشرعات الصغيرة: تشهد تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المتخصصة في ريادة الأعمال على زيادة غير مسبوقة في معدلات تاسيس الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم بلا إستثناء, وعلى سبيل المثال أظهر المرصد الاوربي للتوظيف أن هناك مشروع صغير يقام كل 10 ثواني, و8000 مشروع كل يوم وثلاثة ملايين مشروع كل عام. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتم إنشاء 543 الف شركة جديدة كل شهر، ووصل العدد الإجمالي من رجال الأعمال في الولايات المتحدة11.5 مليون شخص، وهناك إحصائية اخرى لهيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة الأمريكية توضح أن هناك 22 مليون مشروع صغير مسجل يعمل من المنزل, وفي المملكة المتحدة فقط في عام 2010 تم  تاسيس 235 الف شركة جديدة.
6-    تعاظم دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التوظيف: مع تزاديد معدلات الأزمة المالية والإقتصادية العالمية التي بدات عام 2008 والتي أنتجت قيام معظم الحكومات بإلغاء أو تقليل فرص التوظيف الحكومي, وكذلك تفكك وإنهيار معظم كيانات القطاع العام والشركات المملوكة للدول في معظم بلدان العالم, وشهدت عدد من القطاعات ركوداً كبيراً مثل صناعة السيارات التي شهد عام 2009 أكبر إنكماش في تاريخها منذ أن بدأ هنري فورد في تأسيس صناعة السيارات عبر خطوط الإنتاج وعمليات التجميع المستمرة. الخلاصة أن القطاع الخاص, الممثل في المشروعات لصغيرة والمتوسطة, بدا خلال هذه الأزمة وكأنه هو اللاعب الأكبر والملاذ الجديد للتوظيف وتقليص معدلات البطالة العالمية, بل تكاد هذه المشروعات تحتل أكثر من نصف فرص التشغيل في بعض الدول وترتكز عليها العديد من المجتمعات كالمجتمع الأميركي الذي يجد بها ما يقارب 60% من فرصة العمل، بالإضافة إلى تشغيلها لنصف العاملين في اليابان، وأكثر من 60% منهم في فرنسا وبريطانيا. من ناحية أخرى يلاحظ المتخصصون أن هناك موجة غير مسبوقة من التكالب على هذا القطاع وديناميكية نكاد نطلق عليها "تسونامي" من تأسيس وبدء المشروعات الصغيرة ومتناهي الصغر, وبينت دراسة نشرت في بداية عام 2013 أن معظم مواطني الدول المتقدمة لديهم رغبة في تأسيس مشروعات صغيرة والإنتقال للتوظيف الذاتي والعمل الحر, كذلك بَيِن مسح أجراه المرصد الدولي للتوظيف بهدف دراسة توجهات المواطنين لبدء مشروع جديد أن هناك زيادة كبيرة في الإقبال على المشروعات متناهية الصغر والتوظيف الذاتي فمثلاً أبدى 56% من الصنيين , 51% من الامريكيين, و37% من الأوربيين رغبتهم في البدء الفوري في مشروع صغير او متناهي الصغر.
7-    إرتفاع معدلات إنهيار المؤسسات الناشئة:.في الوقت الذي نتحدث فيه عن زيادة أعداد المشروعات الصغيرة التي يتم تأسيسها يومياً يجب الإشارة إلى أن المزيد من المشروعات تفشل وتنهار كل يوم, فقد أظهرت إحصائيات في عام 2011 في المملكة المتحدة على سبيل المثال،أن هناك  أكثر من 170 شركة تنهار في كل يوم عمل ، وأن أقل من نصف الشركات التي أنشئت في عام 2005، لم تزال تعمل بنجاح بعد مرور خمس سنوات أي بحلول نهاية عام 2009. وإذا كانت الغالبية العظمي من هذه المؤسسات هي مشروعات صغيرة فإن هناك أعداد متزايدة من المؤسسات المتوسطة والكبيرة التي بدات تضعف أو تنهار, وبالإضافة إلى التاثيرات الإقتصادية لإنهيار هذه الشركات فإن هناك خسائر إجتماعية أشد أثراً متمثلة في فقدان الوظائف, فمثلاً إنهيار أحد الشركات الكبري مثل شركة انرون الامريكية قد أدى لانهاء عمل حوالي 30 الف من العاملين بالشركة الامريكية وفقدانهم وظائفهم فور انهيار سهم الشركة بالبورصة, وتحول كل هذا العدد الكبير من موظفين إلى عاطلين في ليلة وضحاها  (عاطف 2010).
8-    تأثير العلم والمعرفة على سوق الوظائف: لقد أتاح مجتمع المعرفة والاقتصاد المبني على المعرفة مرحلة نوعية في تاريخ البشرية جعلت من المعرفة مورداً لا ينضب تسعى المجتمعات لاكتسابه والاستفادة من المزايا التي يوفرها. وتشير المؤشرات المتوفرة أن حجم صناعة المعلومات قد تجاوز ثلاثة تريليونات دولار سنوياً، وهذه النسبة تشكل 50 ـ 60% من الناتج القومي للدول الصناعية الكبرى، كما يقدر حجم التجارة الإلكترونية بتريليون دولار، فالبورصات الإلكترونية والإعلان والتسويق والتوزيع على الإنترنت أشبه بحمى تجتاح العالم[3]. هذه الشواهد تقودنا إلى قناعة مفادها أنه مع تنامي قطاع المعلومات لم تعد الثروة تعبر عن موجودات صلبة وملموسة كالأرض والمصانع بل أصبحت إمكانات معرفية وقدرات وأفكار وموارد بشرية. وأصبح ما يميز اقتصاد المعرفة هو الاعتماد المتزايد على قوة العمل المؤهلة والمتخصصة إلى جانب انتقال التنظيم الاقتصادي من الاعتماد على إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات. فحوالي 70% من القوة العاملة في كندا والولايات المتحدة واليابان تعمل في ميدان الخدمات[4]. لكن أسلوب إنتاج المعلومة ونشرها واستنساخها قد قلل الفوارق بين السلع والخدمات.  
9-    تغير طريقة العمل وممارسة الأعمال التجارية: لقد أثرت التقينات الحديثة والتقدم التكتولوجي في تطبيقات وسائل الإتصال وتكنولوجيا المعلومات وإحداث ثورة في عالم الوظائف, ولم يعد النموذج التقليدي السائد هو الوظيفة التي تتطلب دوام في الشركات أو المصنع, بل أصبح هناك العديد من الوظائف التي تتم عن بُعد, وهناك الآلآف من المؤسسات التي تعمل بكامل طاقتها وتقدم 100% من خدماتها عبر شبكة الانترنت وبعضها لا يمتلك مكاتب تتعامل مع العملاء, مثل مراكز الإتصال والبنوك الألكترونية وغيرها, وأذكر مثال لمؤسسة دولية توفر قروض متناهية الصغر من خلال شبكة الانترنت وهي مؤسسة "Kiva.org ", التي توظيف التكنولوجيا بحيث تمكن الإقراض من شخص إلى شخص من العالم المتقدم إلى العالم النامي وتمكن أصحاب المشروعات متناهية الصغيرة من تطويرهم أنفسهم وأسرهم, وتوضح الاحصاءات أنه بعد 7 سنوات من بداية عملها في عام 2004,  وصل المبلغ الكلي للقروض من جميع العمليات التي قامت بها المؤسسة أكثر من 37 مليون دولار مولت من خلالها حوالي 500 الف قرض, بعدد مستخدمين حوالي مليون ونصف شخص بين صاحب مشروع متناهي الصغر ومتبرع, في 221 من البلدان عبر العالم.
10-                       تعاظم دور المشروعات المتناهية الصغر والتوظيف الذاتي: نظراً للعديد من العوامل فقد مثلت المشروعات الصغيرة مجالاً خصباً لخلق فرص عمل جديدة أمام مختلف شرائح المجتمع وخاصة الشباب, وحتى مع تزايد الكساد عالمياً وارتفاع معدلات التضخم وعدم كفاية الوظيفة العامة في خلق التشغيل الكامل على الرغم من إختلاف معدلات تأسيسها ونموها تأثراً بإختلاف النموذج الإقتصادي سواء في الإقتصاد الموجه الذي تقودة الدولة إلى الإقتصاد الحر الذي يقودة القطاع الخاص، فقد ظهرت المشروعات الصغيرة في العقدين الماضيين كعنصر منقذ للإقتصاد العالمي, فقد وفرت المشروعات الصغيرة مثلاً حوالي 53,7 مليون وظيفة جديدة في الولايات المتحدة الأميركية وحدها خلال الفترة (1995 –2000) وفي كندا وفرت  80% من فرص العمالة و 87% في الهند و 88% في اندونيسيا"[5]. من الملاحظ أن هنالك نسب عالية لتشغيل العاطلين في هذه المشروعات حول العالم لذلك زاد اهتمام الدول بمثل هذه المشاريع لما تحققه في مجال توظيف القوى العاملة، ودفع بها كوسيلة لمعالجة البطالة وذلك من خلال دعم هذه المشاريع بتوفير الموارد الطبيعية والمالية المساعدة لإنشاء هذه المشاريع بالإضافة إلى توفير القوانين المساعدة والداعمة لاستقرار هذه المشروعات ونموها.

لماذا تعاظم دور المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة في الإقتصاد العالمي؟


كما أوضح المحور الأول في هذه الورقة فقد اثبتت المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة كفاءة كبيرة في العديد من المجالات وخاصة دورها الكبير في التنمية الاقتصادية بوجه عام كونها تمثل السبيل الوحيد لنمو الوظائف والقيمة المضافة. ويزداد الوضع وضوحاً في الدول التي ما زالت في مراحل التحول الاقتصادي حيث أكتسبت هذه المشروعات ميزة كبيرة كونها أصغر حجماً وأكثر كفاءة في أستعادة دور المؤسسات الحكومية الكبيرة عديمة الكفاءة والتي تحتاج إلى إعادة هيكلة وإصلاح او تفكيك. ولقد باتت هذه المشروعات تمثل الأساس الذي تقوم عليه التنمية كونها تقوم بتشغيل الأيدي العاملة, وتساهم في توزيع الدخل في المجتمع والحد من تفاقم ظاهرة البطالة ومكافحة الفقر.
ولا شك أن محاولة فهم أسباب تعاظم دور هذه المشروعات يدفعنا في البداية للوقوف أمام التعريفات المختلفة لماهية المشروعات الصغيرة في المجتمع الذي نعيش فيه خاصة وأن هناك عدد ضخم من التعريفات يختلف من منطقة لآخرى، ومن دولة لآخرى وفقاً لطبيعة البيئة الاقتصادية والإجتماعية, فقد عرّفت منظمة العمل الدولية المشروع الصغير بأنه "أي مشروع يعمل به أقل من 10 عمال هو مشروع صغير، أما المشاريع التي لديها من 10 إلى 99 عاملاً فهي مشروعات متوسطة، وما يزيد عن ذلك تعدّ مشروعات كبيرة"[6].وتعرف في المملكة العربية السعودية بأنها المنشأة التي"لا يزيد عدد العاملين فيها عن عشرين عاملاً، ويقدر حجم رأس المال بها بأقل من مليون ريال، ولا تزيد مبيعاتها عن5 ملايين ريال"[7]. وفي مملكة البحرين يُعرف المشروع الذي يوظف أقل من عشرة عمال على أنه مشروع متناهي الصغر, والذي يوظيف أقل من 50 عامل على أنه صغيرة والذي يوظيف أقل من 200 عامل على أنه متوسط, وفي جمهورية مصر العربية, الدولة العربية الوحيدة التي أصدرت قانون واضح لتعريف ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة, تعرف "أنها أي منشأة فردية تمارس نشاطاً اقتصادياً أو تجارياً أو خدميّاً يقل رأس مالها عن 50 ألف جنيه"[8][9]. بينما في دولة متقدمة مثل كندا، تمثل المنشآت التي يقل نسبة المبيعات فيها عن 5 ملايين دولار ويقل عدد عمالها عن 500 عامل في المنشأة الصناعية و 50 عاملاً في المنشأة الخدمية، بينما أصدر في الإتحاد الأوربي عام 2003 تعريفاً أوربياً موحداً أوضح أن الشركات متناهية الصغر هي التي يعمل بها اقل من 10 عمال, وحجم اعمال اقل من 2 مليون يورو, والشركات الصغيرة اقل من 50 عمال, وحجم اعمال اقل من 10 مليون يورو, والشركات المتوسطة اقل من 250 عمال, وحجم اعمال اقل من 50 مليون يورو. ويوضح الجدول التالي (رقم 1) أمثلة على الفروقات في تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في عدد من البلدان والتي تعتمد عادة على عاملين هما: حجم العاملة ورأس المال المستثمر في المشروع.


جدول رقم 1:  أمثلة على الفروقات في تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في عدد من البلدان
(الكصدر منظمة العمل العربية، 2008)

والوضع الراهن في العالم العربي ليس مختلفاً فهذه المشروعات تشكل عصب إقتصاديات هذه الدول وحتى الدول النفطية منها, وتوضح التقارير الحديثة الصادرة عن البنك الدولي الإحصائيات الأتيه:-
·         دولة قطر: تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة 98 % من عدد المنشآت.  
·         سلطنة عمان: تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما حجمه 97.98 % من عدد المنشآت 
·         المملكة العربية السعودية: تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة 90 % من إجمالي المشروعات  
·         دولة الكويت: يشكل هذا القطاع ما يقرب من 90 % من المؤسسات العاملة،  
·         دولة الإمارات : تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو 94.3 % من المشروعات،
·         مملكة البحرين, تشكل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر نحو 98.6 % من المشروعات منها 87.6% متناهية الصغر (لديها اقل من 10 عمال).
·         جمهورية مصر العربية: تمثل حوالي 99 % من مشروعات القطاع الخاص غير الزراعي .

وإذا نظرنا نظرة تحليلية لأهمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة ودورها في تحقيق التنمية الشاملة في الاقتصاديات الوطنية فيمكننا تلخيص هذه الأهمية في الأدوار التالية:-
1-    دورها في زيادة متوسط دخل الفرد, وتعظيم العائد الاقتصادي
2-    دورها في تغيير هياكل التنمية الإقتصادية وتوزيع القوى العاملة في المجتمع وتطور الاقتصاد
3-    دورها في إحداث الزيادة في جانبي العرض والطلب على السلع
4-    دورها في إحداث التجديد وتطبيق الابتكارات والبحوث العلمية, كونها قناة لردم الهوة بين المعرفة والسوق
5-    قدرتها على توجيه الأنشطة للمناطق التنموية المستهدفة
6-    قدرتها على تنمية الصادرات والمحافظة على استمرارية المنافسة
7-    قدرتها على  التكامل مع المشروعات الكبيرة وترابط الأعمال التجارية
8-    دورها الكبير في توليد القيمة المضافة.
9-    دورها الكبير في الإهتمام بالصناعات المنزلية والصناعات الحرفية والتراثية.

ومن أهم معالم الإهتمام بالمشروعات متناهية الصغر في مختلف الدول هو قيام العديد من وزارة الشئون والتنمية والمؤسسات التي تتعمل مع مشكلة البطالة في العديد من دول العالم بإطلاق برامج تمكين العاطلين عن العمل وإخراج متلقى المساعدات الاجتماعية والتي لم تعد تقوى على مواجهة الفقر ليس فقط لطبيعتها التي تنشر الثقافة الإتكالية ولكن أيضاً نظراً للزيادة الكبيرة لمتلقي هذه المساعدات في غالبية دول العالم, وتنطلق فكرة المساعدات الاجتماعية من توفير مبلغ من المال يساعد فئات اجتماعية معينة، كالأرامل وكبار السن والمقعدين والمتقاعدين لتدبر أمور معيشتهم التي تعقدت بفعل أسباب صحية أو عمرية أو اجتماعية، أو بفعل التحولات التي جاءت على المجتمع. أو أنها -أي المساعدات الاجتماعية - قد تأتي بآليات وبرامج آخري يقصد منها تضييق دائرة الفقر و الهوة بين الناس، ودفعهم لأن ينتشلوا أنفسهم بأنفسهم و يخرجوا من دائرة الفقر والفاقة (عاطف 2008).

وعلى الرغم من التباين في تعريف و ترتيب الأولوية التي تتمتع بها المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إلا أن المشروعات متناهية الصغر تستحوذ على خصائص معينة تميزها عن غيرها من المشروعات، ويوضح الجدول التالي أهم العناصر والخصائص التي تميزها.



الخاصية
مميزات
عيوب
مشروعات فردية
مالك المشروع غالباً ما يكون هو مديره, وهو الذي يتولى العمليات الإدارية والفنية، وهذه الصفة غالبة على هذه المشروعات كونها ذات طابع أسري في أغلب الأحيان .
نجاح المشروع يعتمد بشكل كبير على القدرات الإدارية والفنية لصاحب المشروع, ومستواه التعليمي وخبرتة، وما حصل عليه من التدريب. والمشكلة أن غالبيتهم لا تتوافر لديهم الحد الأدنى من الخبرة الإدارية 
صغر حجم رأس المال
انخفاض رأس المال اللازم لإنشاء هذه المشروعات يوفر فرصة إقامتها من خلال جميع المواطنين وخاصة افراد الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها, وتمتاز هذه المشروعات بقدرة عالية على جذب المدخرات وتحويلها إلى استثمار حقيقي- خصوصاً لصغار المودعين
كلما أرتفعت تكلفة بناء المشروع وزادت عن إمكانات صاحب المشروع ظهرت أمامه عوائق تتعلق توفير التمويل اللازم، وخاصة أن ضعف رأس المال ومحدوية قدرات صاحب المشروع لا تسمح له بالحصول على تمويلات مناسبة
صغر الهيكل الاداري
الهيكل الاداري صغر لحد كبير مما يحقق ميزة سرعة  إتخذا القرار بها مما يزيد من ديناميكية عمليها ونشطها ويسهل من سرعة إختراقها للأسواق, وتدني كلفة خلق فرص العمل فيها مقارنة بتكلفتها في المشروعات الكبيرة التي تعتبر كثيفة الاستخدام لرأس المال
تفتقر عادة إلى الهيكل الإداري الواضح، كونها تدار من قبل شخص واحد مسئول إدارياً ومالياً وفنياً. مما يعني أن نجاحها يعتمد على المستوى التعليمي والتدريبي للمدير.
توظيفها للمدخرات الشخصية
المدخرات الشخصية والعائلية هي المحرك الاول للقيام بتأسيس هذه المشروعات, وبدونها لا يتم الولوج إلى العمل الحر
تدني حجم مدخرات الافراد يقف عائق امام نمو وتطور هذه المشروعات في ظل صعوبة الحصول على التمويل من البنوك والمؤسسات المالية
إعتمادها على المواد الخام والاسواق المحلية
تعتمد بشكل أساسي على الخامات والموارد المحلية التي تمدها بأسعار مناسبة, وكذلك على الأسواق المحلية التي تبيع فيها منتجاتها
بعض المناطق تندر فيها تواجد مواد خام مناسبة وتتسم عملية التسويق والتوزيع فيها بصعوبة مما يعيق من معدلات تأسيس ونمو هذه المشروعات
كونها مصدر لتوزيع وزيادة الدخل والحصول على الأرباح
دورها بارز في توزيع الدخل بين المواطنين والارتقاء بمستويات الادخار والاستثمار كونها مصدراً جيداً للادخار وتعبئة رؤوس الأموال.
تعرضها للفشل والإنهيار قد يسبب خسائرة مالية كبيرة للأشخاص ولإقتصاديات الدول خاصة التي تعتمد عليها بشكل كبير
قدرتها على الانتشار الجغرافي
تمتاز بالمرونة والمقدرة على الانتشار الجغرافي, وتعمل على تخفيف الهجرة من الريف إلى الحضر وتحقيق التوازن في التنمية.
انتشارها في الأسواق المحلية التي لا تغري المنشآت الكبيرة بالتعامل معها قد يؤدي لضف قدراتها التنافسية
قدرتها على التكامل بين مختلف المشروعات
مشروعات مكملة لبعضها البعض وللمشروعات الكبيرة على حد سواء
قد يصعب دمجها في عمليات التبادل المعتمدة لما تعانيه منتجاتها من تدني وعدم إتباعها أنظمة الجودة ومعايير الإنتاج.
قدرتها على النفاذ إلى الاسواق
تتميز بسهولة وسرعة الدخول والخروج من الاسواق وخاصة المحلية والقريبة منها
قد لا تستطع النفاذ إلى الأسواق الكبيرة والبعيدة نظراً لارتفاع الكلفة، وعدم قدرتها على تحمل مثل هذه التكاليف يمنعها من التوسع

دور المشروعات متناهية الصغر في خلق الوظائف: دراسة من الأرجنتين


لإبراز الأدوار المختلفة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة خاصة فيما يتعلق بتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل, نعرض دراسة هامة عن سوق العمل وتوفير الوظائف للعاطلين في الارجنتين في الفترة من 1995-2003 وهي دراسة تقوم بتحليل اداء التوظيف الذاتي والمشروعات متناهية الصغر التي يقوم عليها الافراد للخروج من دائرة البطالة والتعطل عن العمل, حيث أثبتت الدراسة أنه وخلال فترات الركود فإن الانتقال إلى العمل الحر أصبح ممارسة شائعة جدا في المجتمع الأرجنتيني, وأوضحت نتائج المسح الذي قامت به الدراسة أن هذه المشروعات توفر فرصاً حقيقة لتشغيل هؤلاء, وأن الغالبية العظمى من العاملين لحسابهم أو في مشروعات صغيرة, لديهم فرص كبيرة للبقاء لفترة طويلة في هذا القطاع ، بل أن معظمهم يفضل العمل لحسابهم الخاص, وذلك على الرغم من أحتمالية أن العاملين لحسابهم الخاص يكسبون أقل بكثير من العاملين بأجر.
كذلك تشير النتائج إلى أنه في الوقت الذي أضرت فيه السياسات الاقتصادية المتبعة بالعاطلين عن العمل وأدت إلى بقاؤهم عاطلين لفترة طولية فإن هذه السياسات قد أدت لأرتفاع إحتمالية أن يتجه هؤلاء للعمل لحسابهم الخاص. ومن ناحية آخرى، وجدت الدراسة أن الأفراد من الشباب من ذوي التعليم المتدني جدا يواجهون صعوبات هيكلية في إيجاد فرص عمل بأجر، و بغض النظر عن متغيرات الاقتصاد الكلي، فإن هؤلاء يتوجهوا بقوة إلى العمل لحسابهم الخاص.
من الحقائق التي أكدتها الدراسة هي أن الافراد في منتصف العمر أو الأفراد المتعلمين الذين يفقدون وظائفهم خلال فترات الركود ويجدوا عقبات خطيرة أمام حصولهم على فرص عمل لدى الأخرين يتجهوا إلى خلق وظائفهم وكسب الرزق وتحقيق فوائد مشابهه لتك التي يحققها الموظفون وهذا يعنى أن سياسة التركيز على التوظيف الذاتي، وتقديم المشورة والخدمات الفنية لهؤلاء الأفراد في القطاعات التي لا تحتاج لكثافة رأس المال, تعتبر سياسة ناجحة وملاذاً آمناً لخلق فرص عمل ووظائف بأجر مناسب.
من ناحية أخرى, أوضحت الدراسة أن أولئك الذين يعملون لحسابهم الخاص من أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة، يتعرضوا لنفس التحولات الوظيفية التي يتعرضها لها رجال الأعمال, وبالتالي فإن لديهم فرصاً كبيرة ليصبحوا رجال أعمال ويحصلوا على عوائد أعلى (عاطف الشبراوي 2011).

دور المشروعات متناهية الصغر في خلق الوظائف: دراسة من المملكة العريية السعودية


نفس مخرجات الدراسة السابقة نجدها في العديد من الدراسات الحديثة في العالم العربي, منها دراسة قدمتها الباحثة نهاد عمر السبيعي عام 2013 بعنوان "دور المشروعات النسائية الصغيرة في حل مشكلة البطالة في المملكة العربية السعودية", وهي عبارة عن دراسة ميدانية لقطاع المشروعات الصغيرة النسائية, وأوضحت فيها إن الغالبية العظمى ممن يعملون في المشروعات الصغيرة في السعودية من السيدات في الفئة العمرية ما بين25 إلى 40 سنة, وأكثرهن من المطلقات أو الأرامل والعازبات وذلك ربما عائد لضعف برامج الرعاية لهذه الفئة والتي قد يدفعها للعمل في المشروعات الصغيرة كوسيلة لسد الحاجة والاستقلالية. وغالبية أفراد عينة الدراسة ممن يمتلكن تعليما فوق الثانوي؛ مما يعني أن المشروعات الصغيرة ليست وسيلة لتشغيل العاطلات ممن ليس لديهن مستوى تعليمي كافٍ. حيث أن أغلب العاملات لم يجدن الفرص الوظيفية في القطاعين العام و الخاص مما دفعهن لقطاع المشروعات الصغيرة. والملفت أن الغالبية العظمى من العاملات في هذه المشروعات الصغيرة يفضلن الملكية المفردة للمشروع ولديهن قناعة كاملة بأهمية المشروعات الصغيرة كوسيلة فعالة لتحسين الوضع المالي.

الإبداع في توفير فرص العمل عبر المشروعات متناهية الصغر:


لقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة إطلاق المئات من المبادرات والمشروعات والبرامج التي تهدف لمعالجة المشاكل الناتجة عن التحولات الإقتصادية والإجتماعية والتي أدت لإرتفاع معدلات البطالة والفقر, وحاولت العديد من الحكومات وضع التشريعات والإجراءات وبرامج الدعم لتيسير تأسيس المشروعات الصغيرة وتسهيل سبل خلق الوظائف ومواجهة التحولات الإقتصادية التي أدت لزيادة البطالة, وقد تم محاولة التطرق في الورقة الحالية لعدد من افضل الممارسات والتجارب الحديثة لمبادرات ومشروعات نجحت في خلق ديناميكية مناسبة لدعم المشروعات متناهية الصغر وتوظيف وتمكين الفئات الباحثة عن عمل بمختلف اعمارهم وفئاتهم وظروفهم الإجتماعية. وقد تم تقسيم هذه المبادرات المختارة إلى أربعة فئات تبعاً لطبيعة المبادرة والعناصر المحركة لها:-
1.     مبادرات الإبداع الحكومي,
2.     مبادرات المؤسسات الكبيرة من القطاع الخاص,
3.     مبادرات فردية
4.     مبادرات الجامعات

1-    مبادرة للإبداع الحكومي:

1-1 تجربة من فرنسا في تشجع التوظيف الذاتي


أطلقت وزارة الاقتصاد والصناعة والتوظيف الفرنسية في أغسطس عام 2008 مبادرة إبداعية بعنوان "قانون تحديث الإقتصاد" وأطلقت عليها "رائد الأعمال الذاتي" " l’auto-entreprise" مؤكده على أن فرنسا هي بلد يتبنى مفاهيم ريادة الأعمال, وأن على جميع المؤسسات الحكومية والعامة دعمها وتشجيعها, وقد سمح القانون بقيام العاطلين والأفراد الموظفين لدى الدولة والقطاع الخاص بتأسيس شركات فردية متناهية الصغر, هذا القانون كان له الأثر الكبير في زيادة معدلات تاسيس المشروعات الصغيرة, وقد أحد هذا القانون زيادة كبيرة في أعداد الشركات الناشئة التي أقامها أشخاص للاستفادة منه ومن المميزات التي يسمح بها ومنها السماح للفرد بتأسيس شركة فردية متناهية الصغر ذو وضع قانوني خاص, فتم تأسيس 300000 شركة في عام 2008 , ثم تضاعف العدد في العام التالي ليصل إلى 580000 شركة في عام 2009 , ثم أرتفع العدد ليصل إلى 900000 في عام 2013[10]. والجدير بالذكر أنه دون هذا القانون المبتكر، فإن عدد الشركات التقليدية السنوية الجديدة كان لا تجاوز 260000 سنوياً.
وبالتالي يمكن القول أن المكسب الاجتماعي لهذا القانون مؤكد وذو ابعاد متعددة، ويسلط الضوء على حقيقة أن رجل أعمال النشط أفضل من العاطل عن العمل مهما كانت كلفة هذا التحول بالنسبة للدولة, وعلى الرغم من ان الإحصائيات تظهر أن 15٪ من مؤسسي من هذه الشركات عاطلون عن العمل فإن الغالبية العظمى من أصحاب هذه الشركات كانوا من الموظفين أو العاملين في القطاع الخاص الذين فضلوا العمل لحسابهم الخاص. والقانون ولائحتة التنفيذية بها فوائد كبيرة منها: أن يتم استبدال المساهمات الاجتماعية عن طريق الاشتراك الإجباري الثابت على حجم الأعمال، وتستبدل ضريبة الدخل عن طريق ضريبة الاستقطاع ، ويتم إعطاء إعفاء لمدة ثلاث سنوات من الضريبة المهنية, وأن نشاط هذه الشركات لا يخضع لضريبة القيمة المضافة. كذلك يتمتع رجال الأعمال التوظيف الذاتي التابعين لهذا القانون بالتأمين الصحي ويستطيعوا الحصول على تقاعد, وكل هذه الحوافز ساهمت في إحداث حراك كبيرة في عملية تأسيس الشركات متناهة الصغر والتي بالطبع بدأت في توفير فرص عمل للعاطلين.


1-2 تجربة من مملكة البحرين لتشجيع المشروعات متناهية الصغر عبر الشراكة مع القطاع الخاص


إن قضية دمج العاطلين عن العمل وخاصة المرأة والشباب حديثي التخرج في سوق العمل من أكبر التحديات التي تقابلها المجتمعات العربية, لذلك وفي مبادرة مبتكرة قامت وزارة التنمية الاجتماعية في مملكة البحرين بتأسيس بنك الأسرة عبر الشراكة مع قطاعات المجتمع المختلفة, وأسست لأول بنك اجتماعي متخصص في التمويل متناهي الصغر يعمل وفقاً للشريعة الاسلامية لتمكين الأفراد والأسر من ذوي الدخل المحدود, بالشراكة مع القطاع الخاص (بنسبة 60% للقطاع الخاص إلى 40% للحكومة) حيث يشارك في رأس مال البنك كل من: - المؤسسة الخيرية الملكية وبنك الإثمار وبنك البحرين والكويت، وبنك الأهلي المتحد وبيت التمويل الكويتي. ويهدف البنك لاطلاق قدرات الأفراد والأسر من ذوي الدخل المحدود وتحسين مستوياتهم المعيشية. وترتكز فلسفة البنك على مفاهيم ريادة الأعمال الإجتماعية حيث أنه بنك اجتماعي لا يهدف إلى الربح، ولا يُحَمل العملاء أعباء مالية وإدارية بل ويوفر لهم التمويل المتوافق مع الشريعة بدون كفالة وبلا ضمانات، معتمداً على الثقة في التعامل مع العملاء. ويعمل البنك على احتضان المشروع من خلال التدريب، والرعاية، وتوفير فرص المشاركة في المعارض والأسواق، والمتابعة. وقد افتتح بنك الأسرة في يناير 2010 وهو حاصل على ترخيص من مصرف البحرين المركزي كبنك إسلامي متخصص في التمويل الصغير واستفاد من خدماته أكثر من 1700 مواطن, 68% منهم سيدات و58% منهم شباب تقل اعمارهم عن 39 سنة. هذه المشروعات كلها مشروعات متناهية الصغر استطاع الكثير منها ان ينموا ويتوسع وأن يوفر فرص عمل لأصحابها وكذلك للمئات من عائلاتهم.


2-    مبادرة من الجامعات الولايات المتحدة  : خلق الوظائف من طلبة


في الوقت الذي ترتفع فيه تكلفة التعليم الجامعي بوتيرة أسرع بكثير من قيمته ، بدا العالم في سبيله للبحث عن نماذج جديدة لدعم الجامعات، وإستبدال الزيادات في الرسوم الدراسية ، ودعم البحوث التي تمولها الدولة. ومن هذا المنطلق إبتكرت العديد من الجامعات الكبيرة في العالم نماذج إقتصادية جديدة لمواجهة هذه التحديات, ويذكر فريد ويلسون احد مديري شركة "الاتحاد فنتشرز سكوير" وهي شركة إستثمارية تعمل مع عدد من الجامعات الأمريكية للأستثمار في أفكار الطلبة:"اذا كانت الجامعات تمثل مزرعة، فيمكن للطلبة أن يكونوا هم المزارعين ، وليس الأبقار ".
ونتيجة لهذه التوجهات الجديدة فقد نجحت الجامعات الأمريكية في مساعدة إطلاق 705 شركة ناشئة في عام 2012 وفي المقابل تلقت هذه الجامعات ما يبلغ 2.6 مليار دولار من العائدات على الترخيص وحقوق الملكية الفكرية، وذلك وفقا لبيانات من جمعية رواد التكنولوجيا في الجامعة. الكثير من هذه الأموال ذهبت إلى جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا، التي تستفيد من قربها من وادي السيليكون ، والتي تحسب جمعية رواد التكنولوجيا  أنها حتى عام 2010 سهلت الحصول على 8000 إختراع، وربحت 1.3 مليار دولار من العائدات . وكان لها الاستثمار الأكثر نجاحا للمساعدة في إطلاق شركات مثل شركة "جوجل"، وسوف تضاعف جهودها مع الإعلان مؤخرا عن تخصيص 3.6 مليون دولار لمشروع " معجل رجال الأعمال" ( StartX) وهو عبارة عن حاضنة تكنولوجية تدعم تطوير ونمو المشروعات الناشئة.
كذلك نجد ان جامعة ميشيغان قد أسست مكتب إستثمار في مشروعات الطلبة داخل الحرم الجامعي هذا المكتب يوفر قروض وشراكة وأماكن عمل بالحاضنات التي أنشأتها الجامعات وساعدت في إطلاق 98 شركات جديدة على مدى العقد الماضي، تدر للجامعة عائدات حوالي 14.4 مليون سنوياً .
كذلك أقامت جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، بولاية بنسلفانيا، مبادرة أطلقت عليها "معسكر أصحاب المشاريع" يعرض فيها الطلاب مشروعاتهم في محاولة للحصول على التمويل وقد تم إنشاء نحو 300 شركة خلقت 9000 وظيفة في المنطقة. كما قامت جامعة كامبريدج مؤخراً بإطلاق "صندوق كامبرديج للإستثمار في الابتكار" وهو صندوق للأستثمار في شركات التكنولوجيا ذات النمو المرتفع، ويقوده فريق الاستثمار من ذوي الخبرة, ومن كبار العلماء ورجال الأعمال. صندوق كامبرديج للإستثمار يجمع في علاقة قوية جامعة كامبريدج مع الروابط المالية والصناعية العميقة، ويهدف إلى استثمار رأسماله المبدئي البالغ 50 مليون جنيه استرليني في شركة كامبريدج طوال فترة ثلاث سنوات ويسعى جاهداً لبناء الشركات الرائدة التي تدر عوائد إستراتيجية على المدى الطويل وتسمح بإزالة الضغط المرتبط بنموذج رأس المال الاستثماري التقليدي[11].

3-    مبادرات اللأفراد: مشروع من المملكة العربية السعودية

تُظهرا الإحصاءات في المملكة العربية السعودية أن أكثر من ثلثي النساء عاطلات عن العمل بالمقارنة مع6٪ فقط من الذكور، وثلاثة أرباع هؤلاء النساء العاطلات عن العمل لديهن شهادة جامعية. وهو ما يمثل طاقة من الموارد البشرية غير المستغلة في المملكة التي تعد أكبر منتج كبير للنفط في العالم، وبالتالي فقد مَثلت هذه القضية أو المشكلة الإجتماعية فرصة أستغلها أحد الشباب السعودي وأقام شركة صغيرة وضعت حلول مبتكرة لها. ووفقا للمؤسس المشارك لشركة Glowork[12]، خالد الخضير فقد تم تأسيس موقع الشركة على شبكة الأنترنت بأيدي شباب سعودي عام 2011 وبدعم ذاتي محدود للمساهمة في عرض فرص عمل للمرأة في القطاعين العام والخاص, ونجح الموقع في جذب أكثر من 160 شركة لعرض ألالاف من فرص العمل للسيدات على مستوى مناطق المملكة، إضافة إلى ابتكار تقني جديد لتمكين المرأة من العمل عن بُعد[13]. وفي يونيو عام 2012 حصدت الشركة المركز الأول على مستوى العالم في مسابقة What’s working ، التي تنظمها هيئة الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية، وشهدت مشاركة مشاريع من 38 دولة حول العالم, وفي أكتوبر 2013 قامت مجموعة SAS  السعودية القابضة بشراء الشركة والتي توظف حالياً 10 موظفين وبلغ السعر المقدر الذي سيتم استثمارها في الشركة بحوالي 60 مليون ريال، والتي تعطي المالك الجديد حصة اغلبية من حقوق المساهمين المتبقية موزعة على مؤسسيها الثلاث.
إن هذه المبادرة الشخصية تمثل ترجمة عملية لكيفية مساهمة الأفراد في حل المشكلات التي يعاني منها المجتمع مثل بطالة النساء خلق فرص عمل لفئة محددة من السكان.

4-    مبادرة للشركات الكبيرة :

4-1 تجربة من فرنسا لتوفير فرص عمل متميزة للفئات المهمشة   

قامت شركة السكك الحديدية الفرنسية المعروفة بأسم (  SNCF) بالتعاون مع البلديات في المقاطعات والمنظمات غير الحكومية المحلية المسؤولة عن إعادة الإدماج، الإجتماعي والرياضة، والثقافة والمساعدات التعليمية وغيرها من الخدمات في هذه المقاطعات بإطلاق مبادرة "اجتماعات المساواة المهارات" ([14]Equality and skills meetings) والتي تهدف إلى زيادة إلى توظيف الأفراد من قاطني ضواحي ما يسمى "بالمناطق الحساسة" ويمثلوا فئات مهمشة من أبناء المهاجرين ومعظمهم عاطلين عن العمل لفترات طويلة. ولتنفيذ هذه المبادرة تم الإتفاق على تنظيم منتديات التوظيف لصالح الشركة في قلب هذه المناطق من أجل الوصول إلى تأثير حقيقي وليس لخلق فرص عمل عديمة الفائدة. هذه المبادرة تشمل تعريف السكان بالاحتياجات المطلوبة في شركة سكك الحديد قبل التقدم بطلب للحصول على وظائف بها. ولضمان الكفاءة والمهنية لهذه المهمة يتم التعاون مع أصحاب المصلحة المحليين من أصحاب الخبرة والتجربة في هذا المجال حيث يتم اختيار المرشحين والمتقدمين في فترة 4 أسابيع قبل موعد تنظيم منتدى التوظيف، ويجتمع مديري الموارد البشرية بشركة السكك الحديدية مع الجهات المحلية الفاعلة ( البلدية ، الدائرة العامة المحلية والمنظمات غير الحكومية ) لتقديم لمحات عن الوظائف والمهارات و الخبرات المطلوبة وعلى هذا الأساس يقوم الشركاء المحليين بتحديد مقدمي الطلبات المحتملين ويتم دعوتهم لحضور المنتدى. ويقوم المتقدمين بإجراء مقابلة شخصية وجها لوجه من 15 إلى 25 دقيقة مع فريق ومسئولي التوظيف. وبهذه الطريقة التفاعلية تقوم الشركة بتوظيف المختارين من هذه الإجتماعات وبشكل يسمح بتوفير فرص عمل في مختلف قطاعات الشركة الفنية والإدارية ودون التقييد بتوفير وظائف ثانوية أو رواتب متدنية كما هو الحال في الاوضاع الطبيعية. وبالتالي فقد أنتجت هذه المبادرة المئات من الوظائف الدائمة رمتفعه الأجر والتي لم يكن من الممكن أن يحصل عليها هؤلاء الأفراد من الفئات المهمشة.


4-2 تجربة من النمسا لتعاون شركة كبيرة مع مشروعات متناهية الصغر


سلسلة محلات "بودي شوب" الشهيرة والمتواجدة في مختلف عواصم العالم أطلقت مبادرة إجتماعية رائدة في النمسا منذ سنوات، تحت عنوان "[15]Bizness Babes" تهدف إلى تمكين المرأة للعمل الحر وخلق مشروعات متناهية الصغر في مجالاتمنتجات التجميل الطبيعية وبالتعاون مع هذه المحلات, وتمكنت في البداية من وضع شبكة اتصالات مع المجموعة المستهدفة من المستتفيدين من وكالات الرعاية الاجتماعيةولكن سرعان ما اتضح أن النساء المستفيدات من معونات وكالات الرعاية الاجتماعية يميلن في الأساس إلى العمل للحصول على دخل في أوقات الأزمات وغير مهتمات في تأسيس شركة أو نشاط تجاري مستمر, وحاولت الشركة تطوير المبادرة عبر النهج البديل وهو الإعلان في الصحف وعبر تغطية إعلامية واسعة والذي أثبت نجاحا كبيرا، وأدى ظهور الإعلانات في التلفزيون إلى إندامج عدد كبير من السيدات في المشروع . ونجح عدد منهن في تأسيس شركات متناهية الصغر وفي العمل على تطوير مستواهن المعيشي وسرعان ما فكرن في تطوير الفكرة بالتعاون مع محلات بودي شوب وتم إستحداث مبادرة جديدة وأطلقوا عليها "الإقليم الحيوي" (Bioregion Murau’112) وتهدف إلى تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمنطقة المحلية إعتماداً على مواردها الطبيعية, وفي عام 2005 عُرضت المبادرة في إطار برنامج تليفزيوني. ثم بدأ فعلياً التوسع فيها في عام 2006 بدعم من الحكومة الاتحادية.
وبينما بدأ البرنامج الأول فقط بأربعه أمهات شابات كان لديهن حلم خلق الاستقلال المالي وتطوير معيشتهن فجميعهن لم يكن لديهن وظيفة ولا مصدر للدخل, العديد من هؤلاء الأمهات الشابات، تديرن الآن مشروعات تجارية ناجحة، وقد نمت المبادرة ومكنت مئات من النساء، وكثير منهن أمهات، من تحقيق حلمهم بالاستقلال من خلال الأعمال التجارية وتم مساعدة ما يزيد عن 600 امرأة وفتحت أمامهن فرص إبراز إمكانتهن وما يمكن أن يعطن لأسرهن ولمجتمعاتهن.

4-3 مبادرة من الدنمارك لتوفير فرص عمل من خلال الشركات الكبيرة


أطلقت كبرى شركات المسالخ الدنماركية وهي شركة " DANISH CROWN AMBA" مبادرة مبتكرة للعمل على خلق وظائف جديدة - في مشروع لإدماج العاطلين عن العمل على المدى الطويل، وكذلك الأشخاص الذين لديهم سجل جنائي، أو مشاكل عقلية أو مع تعاطي الكحول والمخدرات ، وذلك عبر التعاون مع السلطات المحلية ووكالة التعطل عن العمل المحلية، ومركز تعليم الكبار، ومركز للتدريب على اللغة المحلية  وقد كان إهتمام شركة المسالخ والجزارة بالمشروع في الأساس نابع من مجموعه حلول لمواجهة مشكلة موقع الشركة الذي يقع في منطقة نائية مما جعل من الصعب جذب العمال إليها, هذه المبادرة التي قامت الشركة بها استطاعت تحقيق العديد من الأهداف, على رأسها خلق شراكة دائمة مع العديد من الجهات والمؤسسات, حيث يتم تنظيم المبادرة بالتعاون مع إدارة البلدية المحلية التي تستأجر مكتباً خاص بها في المصنع يكون مقر عمل الأخصائي الاجتماعي المسؤول عن تنظيم البرنامج، بالإضافة إلى توفير التدريب في المصنع على تقنيات قطع اللحوم ودروس التشريح، وموضوعات أخرى تشمل النظافة الشخصية والتفاعل الشخصي، ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والتدريب على اللغة.
وبما أن العديد من المتدربين المشاركين كان لديهم سوابق جنائية ومشاكل اقتصادية، فقد تم تصميم المبادرة بحيث يتواصل الأخصائي الاجتماعي مع إدارة الشرطة المحلية والبنوك ذات الصلة من أجل مساعدة المشاركين وفرز المشاكل التي لم تحل قبل البدء في العمل, ويتابع الأخصائي الاجتماعي حضور المتدربيين اليومي وإذا وإذا تغيب المتدرب مرتين مثلاً، فمن حق الأخصائي الاجتماعي أن يوقف الاختيار وخدمات الرعاية الاجتماعية, ويسمى هذا النهج "لا للديون ، لا ملفات تعريف الارتباط" (ملفات سوابق المتدربيين) والنتيجة النهائية هي أن 70٪ من أولئك الذين ينتهوا من البرنامج التأهيلي يتلقوا عروضاً منتظمة للعمل في شركة المسالخ إو من برامج ولي العهد الدنماركي الإجتماعية أو يستطيعوا العثور على ظائف في أماكن أخرى، بينما يبلغ معدل الفشل في هذه المبادرة فقط حوالي 12 ٪ من المتدربيين.


الخلاصة
لقد باتت المشروعات متناهية الصغر والصغيرة بلا منازع القاطرة التي تحرك إقتصاديات مختلف دول العالم, كونها تمثل دينامو إنتاج التقنيات الجديدة والقيمة الضافة والتنوع الإقتصادي وخلق الوظائف  وأحد أهم الجسور التي تربط المعرفة والأفكار بالأسواق وعالم الإقتصاد, وبالتالي أصبح لزاماً على حكومات العالم أن تضع البرامج والخطط التي تسعى لإطلاق قدرات المجتمع في تأسيس وتنمية وتطوير هذه المشروعات في كافة القطاعات وفي مختلف المناطق حتى تساهم في نهوض هذه المجتمعات.
من ناحية آخرى, فإن إستعراض المبادرات والمشروعات والبرامج التي تستهدف خلق فرص عمل جديدة والتي تم إقامتها وقام بتنفذها مؤسسات وأفراد في مختلف دول العالم أُثبت حقيقة ثابتة وهي أن مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة ليست مشكلة بلا حل, وأن الكثير من الدول والمجتمعات إستطاعت ان تضع الحلول التي نجحت في السيطرة على المشكلة أو إستطاعت التقليل من إثارها الإجتماعية والإقتصادية, فقط هناك العديد من العوامل التي يجب أن نهتم بتوافرها وتجذرها في أي مجتمع, في تعاملة مع قضية البطالة, من هذه العوامل يمكن تلخيص خمسة عوامل رئيسية هي:-
1.     ترسيخ الشراكة المجتمعية: إن التجارب المختلفة التي أخفقت في تحقيق أهدافها في خلق فرص عمل في مختلف الدول أبرزت العديد من السلبيات التي أدت لتعثرها وعلى رأسها غياب الشراكة والتعاون والتنسيق بين مختلف المؤسسات, ويجب الإعتراف بأن أي شريك بمفردة لن تستطع حل هذه القضية, ومهما سعت وزارات العمل في أي دولة بمفردها استيعاب العمالة الوطنية بالتضييق على القطاع الخاص لدفعه توظيف المزيد من العمالة فلن تنجح، لذا يجب التعاون والتنسيق مع كل قطاعات الدولة المعنية بتطوير الاقتصاد، وتوسيع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإحداث تغييرات جذرية في السياسات المالية وسياسات التعامل مع المؤسسات الكبيرة وتحفيزها على القيام بمبادرات لصالح توفير فرص العمل لبعض الفئات وكذلك التعاون مع المشروعات الاصغر حجماً بهدف مساعدتها في النمو والتطور ونشر ثقافة وقيم العمل الحر.
2.     ابتكار البرامج والحلول الإبداعية : إن قيام الحكومات بتحديث القوانين والتشريعات وإطلاق البرامج وتبني أفكار "خارج الصندوق" يمكن أن يكون له أثر كبير ويمكن أن يزيد بشكل مباشر إنتاجية الإقتصاد ومنظومتة ومتطلبات العمل بشكل عام، هذه الإبتكارات يجب أن تتم جنبا إلى جنب مع زيادة إنتاجية المدخلات الأخرى في عملية الإنتاج والتحسينات على الهياكل التنظيمية واستراتيجيات الإدارة والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى زيادة الطلب ، وسرعه دوران رأس المال، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وهكذا يمكن خلق المزيد من فرص العمل. الأفكار الإبداعية والتطوير المستمر والتي يمكن ان تساهم في وضع الحلول ويمكن ان تؤدي إلى إحداث قفزات وإنفراجات غير متوقعه.
3.     دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة: إن النمط السائد في الإقتصاد العالمي الجديد هو العمل في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة وبالتالي فإن تطوير وتهيئة البيئة المواتية والمشجعه لتأسيس ونمو هذه المشروعات يجب ان تمثل الأولية القصوى لأي حكومة في العالم, هذا الدعم يجب ألا يركز فقط على كيفية تأسيس هذه المشروعات بل يجب ان يهتم بكيفية خلق أسواق جديدة وزيادة حجم المبيعات وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. مما سوف يسمح بخلق فرص عمل ووظائف دائمة تتمتع بمزايا تلائم طبيعة القادمين لسوق العمل, اعتمادا على الظروف العامة الاقتصادية.
4.     دعم الاقتصاد الاجتماعي وتشجيع ريادة الأعمال الإجتماعية: يغطي الاقتصاد الاجتماعي أنشطة الشركات والأفراد والتي تلعب أدواراً إجتماعية أوسع نطاقاً مثل التعاونيات، والجمعيات، بينما الشركة الإجتماعية هي التي تجمع بين النشاط التجاري، والغرض الاجتماعي أو النفع العام. وتستهدف توظيف فئة مهمشة، أو إنتاج منتجات وخدمات تسهدف فئة أو هدف إجتماعي محدد, ومجمل المبادرات التي تم عرضها في هذه الورقة تقع تحت هذا التوجه والذي أصبح حالياً هو التوجه السائد عالمياً للتعامل مع مشكلة البطالة وخلق الوظئاف الجديدة.
5.     التخطيط والتنفيذ اللامركزي : رغم النجاحات الملموسة التي تحققتها خطط وبرامج توفير فرص العمل وتنمية المشروعات الصغيرة في الدول المتقدمة، إلا أن الملاحظ أن هذا الوضع يختلف في الدول النامية حيث تركز البرامج والمبادرات والتنمية في المدن والمراكز الكبرى مما ينتج تنمية غير متوازنة ويزيد من حدة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية، وبالتالي يُمثل تبني أسلوب الإدارة اللامركزية في مجال التخطيط وتنفيذ برامج التنمية أكبر ضمان لمشاركة فاعلة للمجموعات السكانية المستهدفة ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عملية تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وكذلك خلق الوظائف عموماً معقدة ومتشعبة، وليس من السهل تخطيطها وتنفيذها ومتابعتها من المركز.

المصادر

1.     نهاد عمر السبيعي "دور المشروعات النسائية الصغيرة في حل مشكلة البطالة في المملكة العربية السعودية: دراسة ميدانية على  قطاع الأعمال الصغيرة النسائية في المملكة العربية السعودية" قدمتها رسالة الدكتوراه, الأكاديمية العربية المفتوحة عام 2013.
2.     عاطف الشبراوي : "تجربة الأسر المنتجة في مملكة البحرين", ملتقى العمل الإجتماعي, الشارقة دولة الإمارات, مارس 2008.
3.      Federico S. Mandelman and Gabriel V. Montes Rojas: "Microentrepreneurship and the Business Cycle: Is Self-Employment a Desired Outcome? "Working Paper 2007-15 . July 2007
4.      El Shabrawy Atef :“Microentrepreneurship & Islamic microfinance: the Model of Family Bank” published in the 10th International Entrepreneurship Forum, Tamkeen, Bahrain, 9-11 January 2011.
5.      El Shabrawy A et al, “Challenges of Setting Incubators in Egypt, the experience of the Egyptian Incubation Association”, International Conference of Business Incubators, USA, October 1999.
6.      El Shabrawy A, et al “SME incubation and technological development in Egypt”, International Conference on SME, Mansoura University, Arab League, Cairo October 2000 (in Arabic).
7.      El Shabrawy Atef “Successful examples of Arabic incubators”, 1st Arab Conference on Industrial Incubator, Arab Organization of Mining and Industrial Development, Cairo, January 27-29, 2003 (in Arabic).
8.      El Shabrawy Atef “the Economic & Industrial Impact Of Business Incubators”, 1st Arab Conference on Industrial Incubator, Arab Organization of Mining and Industrial Development, Cairo, January 27-29, 2003 (in Arabic).
9.      El Shabrawy Atef :Role of partnership in development and actions against youth & poverty related problems” white paper presented to the Ministry Of Interior of Bahrain for an international award organized by the Police Academy, march 2010.


[1] elshabrawy@yahoo.com
[2] Erasmus program  (www.erasmusprogramme.com)
[3] كريم أبو حلاوة  "أين العرب من مجتمع المعرفة؟", العدد العاشر عام 2006, مجلة مقاربات, http://www.mokarabat.com
[4] تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003
[5]الزيات، ممدوح: دور المشروعات الصغيرة في الحد من مشكلة البطالة في الأردن. دراسة مقدمة إلى كلية العلوم الإدارية والمالية، جامعة العلوم التطبيقية الخاصة. 2010م، ص65.
[6]منظمة العمل العربية، موجز التقرير العربي الاول لمنظمة العمل العربية، حول التشغيل والبطالة في الدول العربية: نحو سياسات وآليات فاعلة، القاهرة، 2008، ص55.
[7]المنشآت الصغيرة محركات أساسية لنمو اقتصادي منشود. منتدى الرياض الاقتصادي نحو تنمية مستدامة. الغرفة التجارية بالرياض. السجيني للاستشارات. 1424هـ، ص34.
[8] قانون تنمية المنشات المصري رقم 141 لسنة 2004
[9]نصرالله، عبدالفتاح أحمد والصوراني، غازي : المشروعات الصغيرة في فلسطين: واقع ورؤية نقدية. غزة، فلسطين، يونيو: 2005 ، ص5 ، الكتاب الخامس.
[10]http://www.auto-entrepreneur.fr
[11] http://www.challenges.fr/monde/20131012.CHA5566/les-universites-americaines-misent-sur-les-start-up-etudiantes.html
[12] www.glowork.net
[13] www.eyeofriyadh.com
[14] http://www.sncf.com/fr
[15] http://www.biznessbabes.com.au/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق